في منتدى مثل ''دافوس'' الذي يضم كبار السياسيين والإقتصاديين في العالم، ليس مهما ما يقال، بل ما يحدث أثرا في حياة الناس، ؛ لأن معظم المجتمعين هم من صناع القرار، أو المؤثرين فيه، إلى جانب نخب من كبار المبدعين في العالم الذين لم يثروا (أي يصبحوا أثرياء ) بالصدفة او بالوراثة، وإنما بفضل عقولهم، ونتاج إبداعهم، ومن أمثال هؤلاء مؤسس شركة '' مايكروسوفت ''وصاحب رؤية'' حاسوب على كل منضدة، وبرامج مايكروسوفت على كل حاسوب المخترع ''بيل غيتس''، صاحب فكرة الرأسمالية المبدعة أو الخلاقة في المنتدى المذكور الذي عقد مؤخرا، والذي ركز على المسؤولية الاجتماعية للشركات، وتحول فيه الاهتمام إلى مسائل الصحة والمساعدات والتنمية .
لقد دعا ''بيل غيتس'' من خلال فكرة الرأسمالية الخلاقة إلى دعم التنمية وخاصة الزراعية في الدول الفقيرة ؛ لمساعدة الفقراء على تحسين ظروف حياتهم، وأعلن في سبيل تحقيق ذلك عن منح بقيمة (306) ملايين دولار لدعم تنفيذ أفكاره في الدول الفقيرة في آسيا وإفريقيا كمساهمة جادة في إنهاء الجوع والفقر المدقع في أنحاء العالم .
''بيل غيتس'' إذن ينتدب نفسه عن الفقراء المغيبين عن المنتدى الارستقراطي، ويخصص المبالغ التي قدمها لتمويل مشاريع تهدف إلى تحسين نوعية التربة وتغيير الوسائل الزراعية وإنتاج الحليب والري وتطوير البذور ودعم صغار المزارعين وخاصة النساء، وذلك من أجل تحقيق أحد أهداف مؤسسته وهو خدمة الفقراء ومساعدتهم على رفع مستوى معيشتهم، وهذا هو الفرق بين من يعبرون سلم الحياة إلى العالم الآخر دون أن يدري بهم أحد رغم امتلاكهم للمال، بل ويبخلون حتى على أنفسهم، وبين من يمضي وقد جعل لحياته قيمة ومعنى لا تنتهي بغيابه . و''بيل غيتس'' الذي وضعه ذكاؤه وإيمانه بالعمل الشاق المرتبط بالإنجاز حيث هو اليوم، يبذل ماله لفقراء العالم في الوقت الذي يتحايل فيه أثرياء لكسب المزيد من مال الناس دون وجه حق، ويعملون على إخفائه في البنوك السويسرية لتستفيد من عوائده، وهم يشاهدون دمار أممهم وشعوبهم ومكابدة الناس للفقر والحرمان ومعاناة الأطفال وتحطم آمال الناس، دون أن يطرف لهم جفن، بل ويفتحون أعينهم على طلب المزيد ! في منتدى دافوس الأخير المبدعون يتقدمون على السياسيين والاقتصاديين في خدمة قضايا الناس في العالم، فأولئك الذين حصّلوا الثروة بعقولهم كانوا أقدر على منح الأمل لآلاف الأسر في العالم لأنهم يملكون النوايا الصادقة الطيبة في بناء العالم، في الوقت الذي يعجز فيه مسؤولون في بلاد كثيرة عن إدارة شؤون بلدة صغيرة وحل مشاكل أهلها في الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية لأنهم لا يملكون الرؤى رغم توفر الموارد المالية !
في بلدان كبلداننا حيث يموت المبدعون فقراء ومعدمين ومهمشين، ويحاول كل واحد أن يظهر بصورة ارستقراطية كتعبير أعمى عن احتقار الفقر والفقراء، هل نحتاج إلى الاستثمار في الإبداع بعد أن نبني ثقافته لتحسين واقع مجتمعاتنا، خاصة مع توافر النماذج العالمية التي ربطت إبداعها بالروح الإنسانية في قدرتها العجيبة على الاحتمال والخلق واستثمار القليل لإعادة إنتاج الحياة بكل أبعادها المادية والمعنوية وخاصة الجمالية ! ما أريد قوله أخيرا أن الإبداع ثقافة وإنسانية وأمانة وإحساس بالمسؤولية، فهنيئا لبيل غيتس ورفاقه على ما قدموا للعالم من هبات .
[email protected]